هل شعرت يوماً أن هاتفك يقرأ أفكارك؟
هل حدث معك أنك كنت تتحدث مع صديق عن رغبتك في شراء حذاء جديد، وبعدها بدقائق، تفتح إنستغرام لتجد إعلاناً لنفس الحذاء الذي كنت تفكر فيه؟ أو ربما لاحظت أن يوتيوب يعرف بالضبط نوع الفيديوهات التي سترغب بمشاهدتها حتى قبل أن تبحث عنها؟
![]() |
هل شعرت يوماً أن هاتفك يقرأ أفكارك؟ |
إذا شعرت بهذا، فأنت لست وحدك ولست مجنوناً. هذه ليست صدفة ولا سحراً، بل هي نتيجة عمل الخوارزميات (Algorithms) القوة الخفية التي تدير عالمنا الرقمي. إنها التكنولوجيا الخفية التي تتحكم في الكثير مما تراه وتفعله على الإنترنت، وهي مدعومة بأحدث ما توصل إليه الذكاء الاصطناعي. اليوم، سنكشف معاً أسرار التطبيقات هذه ونفهم كيف تعمل بالضبط.
ما هي الخوارزمية؟ وصفة بسيطة لأقوى قوة غير مرئية
لنبسط الفكرة المعقدة، تخيل الخوارزمية كأنها "وصفة طبخ" 📝. إذا أردت إعداد كوب من الشاي، فأنت تتبع خطوات محددة بالترتيب: اغلِ الماء، ضع كيس الشاي، صب الماء، انتظر دقيقتين، ثم أضف السكر. هذه الخطوات المرتبة هي "خوارزمية" صنع الشاي.
بنفس الطريقة، كيف تعمل التطبيقات؟ إنها تستخدم وصفات، لكنها أكثر تعقيداً بملايين المرات. "وصفتها" مكونة من بياناتك: الفيديوهات التي تشاهدها، المنشورات التي تعجبك، الأشياء التي تبحث عنها، وحتى سرعة تمريرك للشاشة.
![]() |
هل شعرت يوماً أن هاتفك يقرأ أفكارك؟ |
المحقق الرقمي: كيف يجمع يوتيوب "مكوناتك"؟
لنأخذ يوتيوب كمثال حي. في كل مرة تستخدمه، تقوم خوارزمياته بدور "المحقق الرقمي" الذي يجمع "المكونات" اللازمة لفهم ذوقك بدقة مذهلة:
ماذا تشاهد وكم من الوقت : هل شاهدت الفيديو كاملاً أم أغلقته بعد 10 ثوانٍ؟ هذا يخبر الخوارزمية بمدى اهتمامك الحقيقي.
تفاعلك (لايك، تعليق، اشتراك) 👍: عندما تضغط "لايك"، فأنت تصرخ في وجه الخوارزمية قائلاً: "أريد المزيد من هذا المحتوى!".
ماذا تتجاهل 🙅: حتى الفيديوهات التي تتجاهلها في صفحتك الرئيسية هي معلومة ثمينة. هذا يخبر الخوارزمية بما لا يعجبك.
بحثك 🔍: الكلمات التي تكتبها في شريط البحث هي كنز من المعلومات عن اهتماماتك اللحظية، مما يجعلها سلاحاً قوياً بيد الخوارزميات.
من خلال خلط كل هذه "المكونات" معاً، تقوم خوارزمية يوتيوب ببناء ملف تعريف دقيق عنك، لتقدم لك في كل مرة تفتح فيها التطبيق عالماً مخصصاً لك أنت وحدك.
صديق أم عدو؟ الوجه المزدوج لسيطرة الخوارزميات
هذه القوة المذهلة لها وجهان، كعملة معدنية تماماً.
الجانب المشرق (الصديق) ☀️: تجعل الخوارزميات حياتنا أسهل. تقترح علينا فيلماً رائعاً على نتفليكس لم نكن لنكتشفه، وتعرفنا على موسيقى جديدة نحبها على سبوتيفاي، وتوفر علينا الوقت بعرضها ما يهمنا أولاً.
الجانب المظلم (العدو) 🌑: لكنها قد تكون خطيرة. يمكن أن تحبسنا في "فقاعة اهتمامات" (Filter Bubble)، حيث لا نرى إلا الآراء التي نتفق معها، مما يجعلنا أقل تقبلاً للآخر. كما أنها تثير قلقاً كبيراً حول خصوصية البيانات، وتؤثر على صحتنا النفسية عبر عرض محتوى مثالي وغير واقعي باستمرار.
استعد عجلة القيادة: كيف تتحكم في تجربتك الرقمية؟
الخبر الجيد هو أنك لست مجرد متفرج. في عالم التكنولوجيا 2025، يمكنك أن تكون القائد وتمارس التحكم في المحتوى الذي تراه. إليك بعض الخطوات البسيطة:
اكسر الفقاعة عمداً: ابحث عن مواضيع جديدة لا تظهر لك عادةً. تابع حسابات وقنوات تقدم وجهات نظر مختلفة عنك. كن أنت من يقرر، وليس الخوارزمية.
راجع إعدادات الخصوصية: في معظم التطبيقات، يمكنك مراجعة البيانات التي يتم جمعها عنك والحد منها. خذ خمس دقائق وادخل إلى إعدادات حساباتك.
استخدم وضع التصفح المتخفي: عندما تبحث عن شيء لا تريده أن يؤثر على اقتراحاتك المستقبلية (مثل البحث عن هدية مفاجئة)، استخدم هذا الوضع.
كن واعياً: مجرد إدراكك أن هناك خوارزمية تعمل في الخلفية يجعلك أقل تأثراً بها. أنت الآن تعرف "الوصفة" ويمكنك اختيار "مكوناتك" بنفسك.
في المرة القادمة التي يقترح فيها هاتفك شيئاً يبدو وكأنه يقرأ أفكارك، ابتسم. فأنت الآن تعرف السر، والأهم من ذلك، أنك تعرف كيف تكون أنت المتحكم.